من هو ذاك الذي يحاول أن يضع اللبنانيين بين خيارين لا ثالث لهما: التمديد أو التجديد للرئاسة، وإما الفوضى السعودية الشاملة في لبنان، التي لن تقتصر على السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، إنما قد تمتد إلى إشعال محاور اشتباكات على طريقة جبل محسن - باب التبانة في أكثر من منطقة؛ من أقصى الجنوب إلى أقصى البقاع.
يطرح مصدر رفيع ذلك، ويجيب مؤكداً أن ثمة من يشتغل على ذلك إقليمياً ودولياً، وإذا كان يحدد إقليمياً السعودية التي تبدو مندفعة لتمديد الولاية بكل قوتها السياسية والأمنية والاستخباراتية، ويتجلى ذلك في سلسلة الاهتزازات الأمنية والتفجيرات الإرهابية التي شهدها لبنان مؤخراً، وآخرها انفجار السيارة في صبوبا غربي اللبوة في البقاع الشمالي، وسقوط ستة صواريخ على مدينة الهرمل، استهدف أحدها ثكنة للجيش، وسقط فيها جريحان..
كان لافتاً، استهداف الثكنة العسكرية في الهرمل بعد أقل من 48 ساعة من استهداف الجيش اللبناني في الأولي عند مدخل عاصمة الجنوب الشمالي وعلى مفرق مجدليون على الجهة الشرقية لصيدا، مع ما تردد أن منفذي الهجومين هم أربعة من جنسيات غير لبنانية، إذن فإن السعودية بدأت بتقديم النماذج الدموية لتمرير مشروعها، وهو يقوم على ثلاثة أمور:
أولها: استمرار تفجير السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية التي قد تتوزع على مختلف المناطق اللبنانية، حيث إنها لا تقتصر على منطقة محددة بعينها.
ثانيها: إشعال خطوط تماس عبر حروب واشتباكات قذرة، بحيث لا تقتصر فقط على باب التبانة – جبل محسن.
ثالثها: استهداف الجيش اللبناني على نحو ما جرى في صيدا مؤخراً، وقبلها في عرسال وعبرا، بصفته المؤسسة الوطنية الكبرى الضامنة للسلم الأهلي، والتي تشكل أحد أعمدة الثالوث الذهبي مع "المقاومة والشعب".
ويتخوف المصدر الرفيع من أن تكون الاندفاعة السعودية قد ذهبت إلى مدى بعيد، بعد سلسلة انتكاسات أخذت تتلقاها في أكثر من مكان، خصوصاً في مجلس التعاون الخليجي، الذي أخذت دولة تفتح عيونها على العدوانية السعودية التي صارت في حالة من الاهتزاز والانفلات المرضي التي لم تعُد تُبقي للصلح مكاناً مع الآخرين، على طريقة "أنا أو لا أحد".
أما على المستوى الدولي، فيلفت المصدر إلى موقف السفير الفرنسي في بيروت باتريك باولي، الذي صرح ومن خارج أي سياق سياسي، أن باريس إذا خُيِّرت بين التمديد والفوضى، فإنها مع التمديد بالتأكيد، في الوقت نفسه الذي كان موجوداً فيه رئيس الجمهورية في فرنسا في زيارة خاصة لإجراء مراجعة طبية، حيث أجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تناول - كما جاء في بيان لقصر بعبدا - العلاقات الثنائية والوضع في لبنان والمنطقة، والمشاورات الجارية بشأن عقد مؤتمر "جنيف-2".
من الواضح أن فرنسا المريضة برؤسائها منذ المرتشي جاك شيراك، مروراً باليهودي المجري الأصل نيكولا ساركوزي، وانتهاء بالماسوني المتعصب فرنسوا هولاند، تحاول أن تثبت أنها لم تعد بطة عرجاء، فتتمثّل بدور النمر الذي يغرز أنيابه الآن في القارة السوداء لحساب واشنطن، ولهذا تحاول أن تؤكد حضورها في الملعب السوري من خلال دفاعها عن الإرهاب، وفي لبنان من خلال اشتغالها على لعبة التمديد أو التجديد..
ويربط المصدر الرفيع بين المعركة التي خاضها المسلحون في الغوطة الدمشقية والتي يخوضونها في الربع الأخير من القلمون، في الوقت نفسه الذي يتحضرون فيه لعمليات إجرامية في أكثر من مكان، وأوامر سعودية للمسلحين للاستعداد لشن عمليات دائمة من سورية إلى لبنان مهما كانت الظروف والكلفة في الفترة الفاصلة عن "جنيف-2"، لأن المطلوب أي انتصار لتكريس التطلعات السعودية في الساحة اللبنانية – السورية.
بأي حال، فإن اللبنانيين يتملكهم الخوف من قرار الاستهداف العبثي والإرهابي الذي اتُّخذ ضد الجيش اللبناني، لأنه يبقى خشبة الخلاص الوحيدة الضامنة للسلم الأهلي، في ظل الإصرار على تعميم الفوضى في لبنان، واستغلال بعض السياسيين لهذا القرار لتكريس بقائهم على كراسيهم أطول فترة ممكنة.